زواجٌ بعمرٍ صغير, دون خبرة أو نضج, دون إستقلالية أو وعي. زواج الألم و الصدمات التي لا تنتهي. زواجٌ تحكمه العادات و التقاليد, زواجٌ يكسر فيه الإنسان, يلوى ذراعه, و يسلب حقه في الحلم والكرامة. زواجٌ يتحول فيه الحب إلى سيطرة, و الشراكة إلى طاعة, و الطموح إلى ترف مرفوض. تجدين نفسك في معركة غير متكافئة, حيث لا تتزوجين رجلاً فحسب, بل قبيلة بأكملها, منظومة ذات قولٍ واحد و سلوكٍ موحد, تحكمك كأنك فرد دخيل عليها. أنت وحدك في مواجهة مجتمع مُصغر, تحكمه سلطة العائلة و قيود الأعراف, بينما تبحثين عن الأمان في عالمٍ يعصف بك من كل حدب و صوب. المطلوب منك التخلي عن ذاتك, أن تصبحي ظلاً لما يريدون, أن تأكلي كما يأكلون, و تتكلمي كما يتكلمون, و تفكري كما يفكرون. أن تمحي ماضيك, و كأنك لم تولدي إلا يوم زفافك, و كأنهم وحدهم من يملكون حق تشكيلك من جديد. أما الزوج, فهو الحارس الأمين على إرث عائلته, حارس متيقظ يدربك على الطاعة, يعاقب محاولاتك للتمرد, لأنك في نظره لست شريكة, بل ملك يضاف إلى ممتلكاته. لكن داخلك صوت لا ينكسر, يرفض الذوبان في قوالبهم, يصرخ: لا لا لا لا للأوامر, لا للذوبان, لا للحياة التي تلغي وجودي. تريدين أن تكوني أنتِ, أن تُحبي لأنك أنتِ, لا لأنك نسخة مطابقة لما يريدونه. وحدك في مواجهة الريح, تتلقين اللكمات و الكلمات الجارحة, تخوين, انتقادات لاذعة, كلها محاولات لتقويم اعوجاجك. السجن الذي يبدو براقاً من الخارج, ملئ بالأشواك من الداخل, فلا أحد يرى الجروح العاطفية, و لا أحد يعلم ما يجري في العمق. يظنون أن كل ما يلمع ذهب, لكنك وحدك تعلمين أن اللمعان قد يكون زيفاً يخفي وراءه العذاب. تمضي الأيام, تتسلل من بين أصابعك, و أنت تقاومين, تحاولين أن تلمسي إنسانية الحارس الأمين, لا حباً به, بل إيماناً بأن الخير قد يسكنه. تتحلين بالصبر, تنتظرين أن تزول الغمامة أن ينقشع الظلام, لكنك تفجعين مع كل صفعة فكل صفعة أقسى من سابقتها. و المؤلم الآن ليس الظلم, بل سذاجتك في توقع الخير. يالضعفك! يا لأَمَلِك! يا لسذاجتك! يا لحماقتك! تكبرين, يكبر فيك الحزن و الأمل معاً, و يزداد الألم بقدر اتساع المسافة بينهما. تتسائلين: هل هم من يقتلونني, أم أنني أقتل نفسي بسذاجتي؟ ألم يحن الوقت؟ وقت كسر القضبان, و قت الطيران, وقت الحرية؟ ليس التخلي عن نفسك, بل التخلي عنهم, عن قيودهم, عن الظل الذي فرضوه عليك. نعم نعم نعم , قد حان الوقت…..الآن
التحليل النفسي لهذا النوع من الزيجات
إن الزواج الذي يتم دون وعي و نضج عاطفي يكون غالباً بيئة خصبة لإضطرابات نفسية متراكمة, حيث تعاني المرأة من الإرتباك العاطفي و فقدان الهوية, إذ تدفع إلى دور لم تختره بوعي كامل, مما يجعلها تعيش في حالة دائمة من القلق و عدم الإستقرار النفسي. في مثل هذه العلاقات, تتشكل حلقة مفرغة من التبعية العاطفية, حيث يتم قمع الفردية لصالح الطاعة المطلقة, مما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات و الشعور بعدم الأهمية. كما أن التعرض المستمر للسيطرة و الإنتقاد يساهم في خلق شعور بالعجز, مما يجعل المرأة تتقبل الواقع رغم إدراكها لظلمه. أما الزوج في هذه العلاقة, فغالباً ما يكون مبرمجاً على قيم السلطة الأبوية المطلقة, حيث يرى أن دوره لا يقتصر على الشراكة, بل يمتد إلى فرض النظام و إعادة تشكيل الزوجة وفق معايير عائلته. هذه الديناميكية ترسخ لديه إحساساً زائفاً بالقوة, بينما تخفي خوفاً داخلياً من فقدان السيطرة. إن التحرر من هذه القيود يتطلب اكتساب الوعي الذاتي و إعادة تعريف الذات بعيداً عن الأدوار المفروضة. الطريق إلى الإستقلال النفسي يبدأ بإدراك أن الإستحقاق لا يمنح من الآخرين, بل ينبع من الداخل, من قوة الإرادة و القدرة على إعادة بناء الحياة وفق شروط أكثر عدالة و كرامة. لمن تجد نفسها في علاقة تستهلك طاقتها و تقلل من قيمتها من الضروري اتخاذ خطوات تعزز من وعيك و استقلاليتك العاطفية: عليك أولاً استعادة وعيك بذاتك اسألي نفسك:من أنا؟ ماذا أريد؟ ما الذي أستحقه؟ الإجابة على هذه الأسئلة هي بداية التحرر. ثانياً عليك التمييز بين الحب و التملك فالعلاقة الصحية تبنى على الإحترام و التقدير, لا على السيطرة و الإلغاء. ثالثاً عليك بناء شبكة دعم التحدث مع صديقات موثوقات أو مختصيين نفسيين قد يساعدك في رؤية الأمور بوضوح. رابعاً تعزيز استقلالك المادي و النفسي كلما كنت قادرة على اتخاذ قراراتك بعيداً عن الخوف, كلما استطعت تغيير واقعك. خامساً عدم الإستسلام للشك الذاتي, الشعور بأنك لست كافية هو نتيجة التلاعب العاطفي و ليس الحقيقة. سادساً وضع حدود واضحة العلاقات السامة تزدهر عندما تكون الحدود غير واضحة, لذلك تعلمي أن تقولي لا دون الشعور بالذنب.
بقلم د. هيفا شاهين