الوحدة العاطفية

الوحدة العاطفية: هي حالة نفسية يشعر فيها الفرد بالعزلة العاطفية و الإفتقار إلى الروابط الشخصية العميقة, على الرغم من وجود علاقات اجتماعية أو تفاعل مع الآخرين. أي أن الشخص يشعر بالوحدة العاطفية حتى لو كان محاطاً بأشخاص آخرين

الوحدة تنبع من الإحتياجات العاطفية غير الملباة أو من عدم القدرة على التواصل العميق المرضي مع الآخرين. يكون الشخص محاطاً بالأصدقاء أو العائلة, و لكنه يشعر بالعزلة الداخلية, و كأنه غير مفهوم من الآخرين

رغم العلاقات المتعددة, هناك رغبة قوية في إقامة روابط عاطفية أعمق, و غالبا ما يشعر الشخص بأن هذه الرغبة لا تتحقق. يشعر من يعاني من الوحدة العاطفية بأن هناك فجوة عاطفية, و أن المحادثات و الأنشطة مع الآخرين لا تجلب السعادة أو الرضا. لذلك يميل الشخص إلى الإبتعاد عاطفياً عن الآخرين, نتيجة لإعتقاده بأنه لن يفهمه أو يقبله أحد بشكل كامل

الوحدة العاطفية تؤدي إلى مشاعر الحزن, القلق, أو الإكتئاب و ذلك بسبب الشعور المستمر بعدم الأمان أو الرفض العاطفي. يجد الشخص نفسه يفكر بإستمرار في العلاقات الموجودة, و يتساءل لماذا لا يشعر بالرضا العاطفي؟

تخيلوا معي شخص في علاقة زواج أو لديه أصدقاء كثيرون و لكنه يشعر بأنه لا يوجد أحد يمكنه فهم مشاعره الحقيقية أو أنه لا يستطيع التحدث عن مشاعره بشكل عميق مع أحد

الوحدة العاطفية تعد من أكثر الظواهر النفسية تأثيراً على جودة حياة الفرد. على الرغم من أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه, إلا أن الشعور بالعزلة العاطفية قد يؤثر بشكل عميق على الصحة النفسية و العاطفية. تختلف الوحدة العاطفية عن الوحدة الإجتماعية, إذ يشعر الشخص بالعزلة العاطفية حتى في وجود علاقات اجتماعية نشطة, فالوحدة العاطفية هي الشعور بالفراغ العاطفي. فالأفراد الذين يعانون من الوحدة العاطفية يشعرون بأنهم غير قادرين على التواصل العميق مع من حولهم

وفقا للدكتورة سيجني والكر, و هي باحثة متخصصة في علم النفس, الوحدة العاطفية ترتبط بالإفتقار إلى الإشباع العاطفي .(Walker, 2021) الذي يجب أن يأتي من العلاقات الوثيقة

تشير الدراسات إلى أن هناك العديد من العوامل التي تسهم في الشعور بالوحدة العاطفية أهمها ضعف التواصل العاطفي, التوقعات غير الواقعية, التجارب العاطفية السابقة, الإضطرابات النفسية

هناك 10 اضطرابات نفسية تسهم في الشعور بالوحدة العاطفية و هي

Depression الإكتئاب

Social Anxiety Disorder اضطراب القلق الإجتماعي

Borderline Personality Disorder اضطراب الشخصية الحدية

Post-Traumatic Stress Disorder اضطراب ما بعد الصدمة

Attachment Disorders اضطراب التعلق

Schizoid Personality Disorder اضطراب الشخصية الإنعزالية

Obsessive-Compulsive Disorder - OCD اضطراب الوسواس القهري

Autism Spectrum Disorder - ASD اضطراب طيف التوحد

Bipolar Disorder اضطراب ثنائي القطب

Narcissistic Personality Disorder اضطراب الشخصية النرجسية

عند الشك أن أحد أسباب الوحدة العاطفية يمكن أن يكون واحد من الإضطرابات النفسية السابقة قد يكون من المفيد الحصول على الدعم النفسي من مختص نفسي, يستطيع المعالج النفسي مساعدة الشخص في استكشاف العلاقات و الأنماط السلوكية التي تؤدي إلى الشعور بالعزلة العاطفية

بالنسبة للتجارب العاطفية السابقة فهي تتمثل بمايلي

Emotional Trauma الصدمات العاطفية

Divorce or Breakup الطلاق أو الإنفصال الصعب

Imbalanced or Abusive Relationships العلاقات غير المتوازنة أو المسيئة

Loss of Family or Friends الفقدان العائلي أو الإجتماعي

Lack of Emotional Support in Childhood عدم الحصول على الإهتمام العاطفي في الطفولة

Superficial or Short-Term Relationships العلاقات السطحية أو العابرة

Unrequited Love or One-Sided Relationships العلاقات العاطفية غير المتبادلة

Long-Distance or Long-Term Relationships العلاقات البعيدة أو طويلة الأمد

Repeated Failure in Relationships or Friendships الفشل في العلاقات أو الصداقات المتعددة

Betrayal الغدر أو الخيانة

أما فيما يتعلق بالتوقعات غير الواقعية فقد تكون على الشكل التالي

توقع الكمال من الآخرين, توقع الفهم التام دون تواصل, توقع السعادة المستمرة من العلاقة, الإعتماد الكامل على الشريك لتلبية جميع الإحتياجات العاطفية , توقع أن العلاقة ستغير حياتهم بالكامل, توقع التوافق الكامل في كل شيء, توقع أن الحب أو العلاقة يجب أن تكون كما في الأفلام أو الروايات, توقع أن العلاقات ستظل كماهي دائماً, توقع التوافق العاطفي الفوري, توقع أنه يجب أن يكون محبوباً من الجميع

أما ضعف التواصل العاطفي فهو موجود لدى الأشخاص الذين يتجنبون الحديث عن مشاعرهم أو يجدون صعوبة في (Kross et al., 2011) التفاعل العاطفي هؤلاء هم أكثر الناس عرضة للوحدة العاطفية

إن كنت أشعر أني أعاني من الوحدة العاطفية, كيف أستطيع تحديد أسبابها؟

الإعتراف بأن هناك شعوراً بالوحدة العاطفية. قد يكون صعب أحياناً, خاصة إذا كان الشخص مشغولاً أو يتجنب مواجهة مشاعره, و لكنه الخطوة الأولى. عند الإعتراف من المفيد تخصيص وقت للتفكير في التجارب العاطفية الأخيرة و التساؤل: متى بدأت أشعر بالوحدة؟, هل هذه المشاعر مستمرة أم تظهر في أوقات معينة؟ كيف أصف طبيعة هذه الوحدة؟ هل أشعر بعدم الفهم و التقدير من قبل الآخرين؟

محاولة التعرف على الأنماط المتكررة في المشاعر و السلوكيات. على سبيل المثال: هل الشعور بالوحدة العاطفية يظهر بعد التفاعل مع أشخاص معينين أو في مواقف محددة؟ قد تكون هذه الأنماط مؤشراً على الأسباب

ثم النظر في العلاقات الحالية و التفكير في مدى الإشباع العاطفي الذي يتم تلقيه من هذه العلاقات. قد تكون هناك علاقات قوية اجتماعياً و لكن تفتقر إلى العمق العاطفي. بعض الأسئلة التي يمكن طرحها

هل أشعر بأنني قادر على التحدث بصراحة و عمق مع الأشخاص القريبين مني؟

هل الأشخاص في حياتي يفهمون احتياجاتي العاطفية؟

هل أشعر بأنني أتلقى الدعم العاطفي الكافي من شريكي أو أصدقائي؟

قد تكون الوحدة العاطفية ناتجة عن توقعات غير واقعية من العلاقات. لذلك يجب تقييم ما إذا كانت التوقعات التي وضعتها للعلاقات متناسبة مع الواقع. أحيانا قد يشعر الشخص بخيبة أمل عندما لا تلبى توقعاته العالية

النظر في التجارب العاطفية السابقة و فحص تأثيرات العلاقات السابقة! هل العلاقة السابقة لبت احتياجتي العاطفية؟ هل لدي حالياً علاقة تلبي احتياجاتي العاطفية؟

فهم الإحتياجات العاطفية الخاصة بك هو خطوة مهمة. بعض الناس لا يدركون بوضوح ما يحتاجون إليه عاطفياً. قد يكون الشخص بحاجة إلى دعم أكثر أو تفاعل أعمق. لكنه لا يعبر عن ذلك بشكل صحيح

فحص الصحة النفسية

تقييم مهارات التواصل عن طريق الأسئلة التالية: هل أتمكن من التعبير بوضوح عن مشاعري؟ هل أشعر أن الآخرين يفهمون مشاعري عندما أشاركها؟

في بعض الأحيان, قد يكون السبب خارجياً. إذا كان الشخص يعيش في بيئة معزولة أو غير داعمة. قد يؤدي ذلك إلى شعور بالعزلة العاطفية. كذلك العلاقات في العصر الرقمي قد تفتقر إلى العمق العاطفي الذي يتطلبه التواصل الشخصي. يمكن أن يؤدي الإعتماد الزائد على وسائل التواصل الإجتماعي إلى شعور بالوحدة العاطفية رغم وجود عدد كبير من الأصدقاء الإفتراضيين

تحديد أسباب الوحدة العاطفية يتطلب جهداً من الشخص لفهم ذاته و علاقاته, إلى جانب النظر في العوامل النفسية و الإجتماعية التي تؤثر عليه. من خلال التأمل الذاتي, تحسين مهارات التواصل العاطفي, و تقييم العلاقات, يمكن للشخص البدء في معالجة أسباب الوحدة العاطفية و التغلب عليها. في بعض الحالات, قد يكون من الضروري البحث عن دعم متخصص لفهم الأسباب الأعمق و تطوير استراتيجيات للتعامل معها

إلى كل من يشعر بالوحدة العاطفية

أعلم أن هذا الإحساس يمكن أن يكون ثقيلاً على الروح, و أن الألم الذي يرافقه قد يجعلك تشعر بأنك معزول في عالمك الخاص. و لكن تذكر دائماً أن الشعور بالوحدة ليس دليلا على نقص فيك, و لا يعني أنك غير قادر على الحب أو أن أحداً لن يفهمك, إنه ببساطة جزء من التجربة الإنسانية, و هو شعور قد مر به الكثيرون قبلك

الحب و الإتصال الحقيقي يتطلبان و قتاً و صبراً, و لا يأتيان دائما بسرعة أو كما نتوقع. في بعض الأحيان, نحتاج أن نكون مصدر الحب لأنفسنا أولاً. ابحث عن السلام و القبول في ذاتك, لأنك تستحق ذلك. الأشخاص الذين سيقدرونك كما أنت سيأتون, و الروابط الحقيقة تحتاج إلى بناء ثقة و تفاهم متبادل, و هي لا تتشكل في لحظة

إذا كنت تشعر بأنك تائه أو أنك وحيد, لا تخف من طلب المساعدة أو التحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به. أحياناً, تكون أقوى خطوة هي تلك التي نقوم بها عندما نسمح لأنفسنا بأن نكون ضعفاء أمام من يهتمون بنا

أنت لست وحدك في هذه الرحلة, و قلبك يستحق الحب و التقدير, حتى و إن كانت هذه اللحظات صعبة. الأمور تتحسن, و مع الوقت, سيأتي الضوء إلى قلبك مجدداً, لا تفقد الأمل, لأنك تستحق الحب و السعادة و السكينة

المراجع

  • Cacioppo, J. T., & Patrick, W. (2008). Loneliness: Human Nature and the Need for Social Connection. W. W. Norton & Company.

  • Cacioppo, J. T., Hawkley, L. C., & Thisted, R. A. (2010). Perceived social isolation makes me sad: Five year cross-lagged analyses of loneliness and depressive symptomatology in the Chicago Health, Aging, and Social Relations Study. Psychology and Aging, 25(2), 453-463.

  • Hawkley, L. C., & Cacioppo, J. T. (2010). Loneliness matters: A theoretical and empirical review of consequences and mechanisms. Annals of Behavioral Medicine, 40(2), 218-227.

  • Kross, E., Berman, M. G., Mischel, W., Smith, E. E., & Wager, T. D. (2011). Social rejection shares somatosensory representations with physical pain. Proceedings of the National Academy of Sciences, 108(15), 6270-6275.

  • Neff, L. A., & Karney, B. R. (2009). Compassionate love in romantic relationships. In Compassion (pp. 203-219). Routledge.

  • Perlman, D., & Peplau, L. A. (1981). Toward a social psychology of loneliness. Personal Relationships, 3, 31-56.

  • Pinquart, M., & Sörensen, S. (2001). Influences on loneliness in older adults: A meta-analysis. Basic and Applied Social Psychology, 23(4), 245-266.

  • Russell, D. (2012). The measurement of loneliness. Loneliness: A sourcebook of current theory, research and therapy, 81-104.

  • Shapiro, S. L., Carlson, L. E., Astin, J. A., & Freedman, B. (2008). Mechanisms of mindfulness. Journal of Clinical Psychology, 64(3), 373-386.

Previous
Previous

لماذا المساواة ؟

Next
Next

هل الفروق البيولوجية بين الرجل و المرأة تؤثر على الأداء الوظيفي؟